كلمة الأستاذ الشيخ عبدالله زباخ

كلمة الأستاذ الشيخ عبدالله زباخ

 

 

كلمة الأستاذ الشيخ عبدالله زباخ

 

الشيخ عبدالله زباخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني واخواتي الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد،

فإني سعيد جداً بالقدوم الى بلد كان ولايزال مهد الحضارات قبل وبعد الإسلام، إيران الإسلامية، المثال العالي للديموقراطية في الدول الإسلامية ومنبع العلوم والعلماء القدامى أمثال: ابن سينا، الخوارزمي، سيبويه.. والجدد أمثال: آية الله الشهيد مطهري، والمرحوم الدكتور شريعتي، والشهيد آية الله الدكتور بهشتي، والفيلسوف العلامة الطباطبائي، والفيلسوف الملا صدرا وغيرهم.

 

إيران التي حافظت ولاتزال على هويتها الإسلامية والثقافية، ولغتها الفارسية هي اللغة الثانية للإسلام.

 

وإني فخور أيضا بوجودي بين إخواني وأخواتي الايرانيين وكل إخواني الحاضرين، والذين أكنَّ لهم كل الاحترام والتقدير. وأشكر لكم دعوتكم لي بالحضور معكم، وهذه العناية الفائقة التي أوليتموها لي وللحضور.

 

وإني في هذا المقام أتضرع إلى الله تعالى أن يتغمّد فقيد الإسلام والمسلمين الإمام روح الله الخميني برحماته ويسكنه فسيح جناته. وسلامنا على أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحيّة مؤامرة الاستكبار العالمي في حرب مفروضة، وأقدم جزيل شكري إلى قائد الثورة السيد آية الله الخامنئي أطال الله في عمره، وإلى السيد الرئيس محمد الخاتمي أبقاه الله ذخراً للاسلام والمسلمين والذي اقترح أن تكون سنة 2001 سنة الحوار بين الحضارات في خطابه الذي ألقاه في المجمع الاسمي للامم المتحدة أمام رؤساء الدول والذي أخذ بإعجاب العالم، على نقيض ما يتبناه HUNGTIGTON في كتابه «صراع الحضارات» ويعني بذلك الغرب ضد الإسلام.

 

كما أشكر الأخوة والأخوات الذين ساهموا في نجاح هذا المؤتمر الثاني عشر للوحدة الإسلامية والتي تزامن مع ذكرى ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله).

 

وحيث أن هذا الملتقى  يتطرق الى أحوال الإسلام والأمة الإسلامية في القرن القادم فإني إرتأيت أن أعرض على مسامعكم بعض النماذج التي يعيشها إخوانكم في فرنسا فأقول وباللّه التوفيق أن الإسلام وجد في  فرنسا بعد الحملة الاستعمارية وخاصة بعد الحربين العالميتين اللتين قضتا على مقدرات أوروبا البشرية والاقتصادية بما فيها فرنسا، مما جعل هذه الأخيرة في حاجة ماسة إلى اليد العاملة نظراً لضياع القادرين على العمل في الحروب من جهة ولضعفها الديموغرافي من جهة أخرى.

 

فقامت تستعبد في اليد العاملة الأوربية بدءاً بالايطاليين والبولنديين ثم الأفارقة بما فيهم المسلمون الذين بدأوا ينزاحون إليها منذ عام 1906م قادمين من المغرب العربي وخاصة الجزائر.

 

هذه الهجرة المتزامنة مع الاستعمار بقيت ضعيفة حتى عام 1913م.

 

إلاّ أن الحرب العالمية الأولى هي التي أسرعت في دفع عملية الهجرة بحيث أن أقتصاد فرنسا في ذلك الحين كما قدمنا سلفاً تعوزه الحاجة الى اليد العاملة مما أدّى بوزارتها الحربية الى اتخاذ قرار إرغام 87000 جزائري إلى الهجرة للعمل في مناجم الفحم وفي مصانع الاسلحة والذخيرة.

 

وتزامنا مع هذه الهجرة القسرية يضاف إليه العدد الذي ألحق بالجيش والذين سقطوا ضحايا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل والذين يبلغ عددهم بنحو 25000 جزائري.

 

وهكذا تزايد هذا العدد من 45000 شخص ابتداء من سنة 1922 إلى 71000 في غضون سنتين ليصل الى 100000 نهاية عام 1930م.

 

وبعد «الثلاثينات المجيدة» فإن الهجرة المغاربية بدأت تنقص وخاصة بعد قرار الايقاف الرسمي للهجرة في سنة 1974م ورغم إصدار هذا القرار فإن تدفق المهاجرين ازداد ولكن بنسبة أقل.

 

أما الهجرة من بلدان إسلامية أخرى فهي متنوّعة عرقيا واجتماعيا وثقافيا.

 

وهكذا نجد السينغاليين الذين انخرطوا في الجيش في الحرب العالمية الأولى، والذين ادّوا ثمنا غالياً بدمائهم في الدفاع عن كيان فرنسا كما فعل بإخوانهم الجزائريين، من قبل يضاف اليهم الاخوة المغاربة الذين كانوا بخلاف الجزائريين قلة قبل الاستقلال عام، 1956م ثم ازداد عددهم بعد ذلك وكذلك الشأن بالنسبة للإخوة التونسيين.

 

أما المسلمون القادمون من تركيا فهجرتهم بدأت من سنة 1963م وقد وصلت إلى مايقدر بنحو 45000 مهاجر سنة 1973م.

 

وأخيراً تجد الأقليات الاخرى من المهاجرين المسلمين فمنهم اللّبنانيون والسوريون والمصريون. والآسيويون وخاصّة الباكستانيون والهنود. كان هؤلاء المسلمون يعيشون إسلاما فرديا وليس جماعيا حيث أنه لم تكن لهم مساجد لصلاة الجمعة والجماعة، وكانوا لا يستطيعون التوفيق بين العمل وإقامة شعائر دينهم، وكثير منهم كاد يندمج في هذا المجتمع وينسى هويته وأصالته. وكانت السطات الفرنسية لا تقيم لهم وزنا ولا تعير لهم أي اهتمام إلى أن قيض الله تعالى الثورة الايرانية المباركة بقيادة الإمام الخميني (رحمه الله)، والتي أعادت لشعوب المسلمين عزتهم بدينهم وثقتهم في أنفسهم وخاصة المهاجرين الذين بدأوا يرجعون إلى ربهم.

 

ومنذ ذلك الحين أصبح المجتمع الفرنسي يعير الإسلام والمسلمين أهمية قصوى ويجعل منه مشكلته الأساسية. ومن هنا بدأ الفرنسيون يتساءلون عن هويتهم ويتساءلون عن هذا (الآخر) بين قوسين أي الإسلام الذي يجاورهم.

 

وهنا بدأ الحوار المتشدّد الذي كان فيه الخطاب على هذا الإسلام المهاجر، ينساق إما إلى الرفض التام من طرف بعض فئات الشعب الناتج عن الجهل والتعصب أو القبول المختلط بالشّك.

 

وفي يومنا هذا كل الإحصائيات تقدر المسلمين بنحو 5 إلى 6 ملايين نسمة منهم مليونين فرنسيين (56000 فرنسيين أصليين والآخرين بالجنسية) هذا ورغم أن الإسلام ثاني دين في فرنسا من حيث عدد معتنقيه إلا أنه لايزال منهمشا من طرف السلطات الفرنسية التي تخاف من تكتل المسلمين وتأثيرهم فيم الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وهذا يساعده أيضاً عدم وجود التنسيق بين الجاليات الإسلامية.

 

وأعتقد أن الحركة الصهيونية تلعب دوراً كبيراً في جلب الادعاءات الكاذبة وكل ماهو سلبي ومخيف عن الإسلام والمسلمين وكتاب صادق رابح «الإسلام في الخطابات الإعلامية» يتحدث عن كيفية تمثيل الإعلام للإسلام في فرنسا، وكيف يضخم القضايا الإسلامية ويجعل منها مارداً جبّاراً ليرعب به العامة من الناس.

 

فعلى سبيل المثال قضية الحجاب التي أحدث بها الإعلام الصهيوني ضجة كبيرة في وسط المجتمع الفرنسي والتي ماتزال بناتنا تعاني منها، رغم أن القضاء الفرنسي ألغى كثيراً من القرارات التي اتخذها مدراء بعض المدارس ضد المتحجبات لمنعهنّ من إتمام دراستهنّ.

 

ففي اليوم الثاني من شهر نوفمبر لسنة 1992 ألغى مجلس الدولة القرار الذي اتخذه مدير ثانوية «جان جوريس» بمدينة Saink Sdenia ضد ثلاث بنات متحجبات وألغى أيضا القانون الداخلي للمدرسة الذي ينص على منع أي حمل علامة مختلفة.

 

وفي 25 اكتوبر لسنة 1994م 89 بنت متحجبة منعن من دخول ثانوية «فيدرب» بمدينة ليل وسبب هذا القرار هو أنهن تمادين في لبس الحجاب دون أن يكترثن بما ينص عليه القانون الداخلي للمؤسسة من المنع. وغير هذه الأمثلة كثير.

 

وقضية المرأة في الإسلام، والزواج منها بأكثر من واحدة، وقضية رشدي، وقضية الجهاد في سبيل الله، وقضية رجاء غارودي وكتابه ضد الصهيونية.. كل هذه القضايا اتخذها الإعلام ذريعة لمنع أي محاولة لإعطاء المسلمين ممثلين رسميين على صعيد الوطن الفرنسي حتى لا يؤثر هذا في قلب موازين القوة داخل المجتمع الفرنسي.

 

والإعلام الفرنسي مسيّر بشكل عام من الصحفيين الصّهاينة الذين يلصقون كل ماهو سلبي بالإسلام ويخلقون الاتجاهات المتشددة لضرب الصف المسلم ويعملون للترسيخ في عقول الأوربيين أن كل من هو مسلم فهو إرهابي. وبهذا يصدون عن سبيل الله كل من له رغبة في اعتناق الإسلام والدخول فيه.

 

فمثلاً في برنامج اسمه «مبعوث خاص» في التلفزيون الفرنسي كان موضوع عن الإسلام «والإرهاب في اوربا» وفيه أتوا بمناظر ومقابلات مزيفة من اناس مأجورين ليتكلموا في امور ارهابية ألصقوها بالإسلام ويعلم الله أن الإسلام منها ومنهم براء.

 

وفيه أيضا آخرون أناس عاديون أخذت صورهم بغير علم منهم وألصقت لهم الكاميرا لحىً مستعارة بتكنلوجيا جديدة حتى يبينوا للرأي العام الفرنسي أن «كل من له لحية فهو إرهابي». وقد رفع هؤلاء الاشخاص دعواهم إلى المحاكم الفرنسية بعدما وجدوا وشاهدوا صورهم في الجريدة بلحىً مزيّفة، فربحوا شكواهم.

 

وهكذا فإن كثير من الإختصاصيين والجامعيين في العلوم الإجتماعية والإعلامية والمواصلات مثل (صادق رابح وبرونو اتيان وبركثا.. وغيرهم) برهنوا بأن الإسلام يشوّه عمدا من طرف وسائل الإعلام الفرنسية وهذا ما تنفيه مباني الديمقراطية والمساواة المعلن عنها في الدستور الفرنسي.

 

كما خلص علماء الاجتماع المنصفون إلى القول بأن الإسلام في فرنسا مقارنة مع الديانات الأخرى كالرجل الفقير، لأنه لا يملك ممثلين سياسيين لا في البرلمان ولا في الحكومة ولا في مجلس الشيوخ. والمسلمون لا حق لهم في مدارس حرة كما هو الحال بالنسبة للديانات الأخرى. كما لا حق لهم في تأسيس مراكز ووسائل للإعلام للإدلاء برأيهم وهم في بلد يدعي التمسك بمبادئ حرية التعبير عن الرأي وحقوق الإنسان. جلب  الكثيرون عائلاتهم من بلادهم الأصلية وأصبح لهم أولاداً ولدوا في فرنسا.

 

وهذا الذي يطلق عليه أسم الجيل الثاني ويتكون من طبقة المثقفين والمهنيين وأرباب الأعمال.. ومن هنا بدأ اسلوب جديد للتفكير في بناء المساجد ومدارس تعليم القرآن واللغة العربية من أجل تثبيت الهوية الإسلامية.

 

والسؤال المطروح الآن: هل سيتعرض هؤلاء للذوبان في المجتمع الفرنسي كما خطط لهم سبقا أم سيستطعيون الاحتفاظ بهويتهم ومكانتهم؟

 

هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.

والمطلوب من المسؤولين السياسيين في شتى البلدان الإسلامية أن يبذلوا كل الجهود ويعيروا هذا الأمر باهتمام بالغ لانقاذ هذا الجيل المسلم. وإني أطالب في هذا المقام السيد خاتمي بصفته رئيساً للمؤتمر الإسلامي الحالي أن يتدخل في إطار حوار الحضارات لحل هذه المشكلة بما آتاه الله من حكمة ودراية وارادة (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

 

وقبل أن أودعكم أقول لكم «خدانگهدار» بمعنى الله يحفظكم.

والسلام عليكم